{قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}(الأنعام-12).
في هذه الآية، قرن ذكر يوم القيامة برحمة الله، على غير التصور المعتاد؛ باقتران ذكر هذا اليوم بالأهوال والعذاب والخوف، فكيف تقترن الرحمة بالحساب؟
تقترن الرحمة بالحساب العادل، عندما يكون يوم القيامة المنتظرهو يوم تحقيق العدالة للمظلومين.
في سورة البروج، كانت خاتمة أصحاب الأخدود في الدنيا هي حرق المؤمنين في أخاديد الظالمين؛ فإذا كانت هذه هي النهاية المطلقة والمآل الأخيرللمؤمنين، لما كان في هذا دواما لما يعمر الأرض من المبادئ العليا، والتي يأتي الإيمان على رأسها.
لهذا جعل الله يوم القيامة هو يوم الحق الذي تنتظر فيه كل نفس جزاء ما كسبت، لأن الله تعالى الحق، خلق السموات والأرض بالحق كما قال في كتابه العزيز: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}( الدخان 38،39).
في الدنيا يتعرض الناس لمظالم كثيرة، فلا يجد المؤمن المظلوم عزاءا لنفسه إلا وجود يوم القيامة، التي سينتصف الله له فيها، وأن الله عدل مطلق كما قال في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (يونس -44)، فيصبره ذلك على الالتزام بالمبادئ التي تقيم الأرض، مثل الصدق والأمانة والعدل، على ما يجد فيهما أحيانا من تقييد للسبل التي قد يسترد حقه بها، ولا يجد لنفسه مبررا لينافي تلك المبادئ انطلاقا من شعوره بالظلم.
كان الإيمان باليوم الآخرعزاء المؤمنين في مكة، عندما كانوا يتعرضون لإيذاء الكفار، فكانت آخر الآيات المكية: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ -35- هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُون} (المطففين -29: 36) .